تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية
الة حول إشكالية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية
الأسئلة:-هل تصلح الحوادث التاريخية أن تكون بحثا علميا؟-هل يمكن دراسة الحوادث التاريخية بعيدا عن المعرفة العلمية؟-هل يمكن أن تكون الأحداث التاريخية موضوعا للمعرفة العلمية؟-هل يستطيع المؤرخ أن يتجاوز العوائق التي تمنعه لتحقيق الموضوعية؟- يقال{إن للموضوعية في التاريخ حدود لأن المؤرخ يعيش التاريخ} ما رأيك؟-إذا كانت للموضوعية في التاريخ حدود فهل يمكن أن يتحول التاريخ إلى علم؟
مقدمة:
تنطلق الدراسات العلمية على اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تحرك العلماء أسئلة وإشكالات محيّرة تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال ملاحظات وفرضيات والتي تنقلب بـالبرهنة إلى قوانين علمية برهانية فإذا علمنا أنّ الموضوعية شرط قيام العلم وأن التاريخ يدرس الحوادث الإنسانية التي ترتبط بالزمن الماضي فالمشكلة المطروحة:هل تصلح أن تكون الحوادث التاريخية موضوعا لمعرفة علمية؟
الرأي الأول(الأطروحة):
ترى هذه الأطروحة "الموقف المعارض لعلم التاريخ" أن الأحداث التاريخية لا تصلح أن تكون موضوعا لمعرفة علمية لأن دراسة التاريخ دراسة موضوعية مسألة متعذرة بحكم وجود عوائق موضوعية وذاتية أهمها غياب أهمها غياب الموضوعية والتي يتجلى في تدخل الأفكار المسبقة وأحكام القيم هذا ما عبر عنه"جون ديوي" قائلا {تناول الباحثين للمشكلات الإنسانية من ناحية الاستهجان والاستحسان الخلقيين ومن ناحية الخبث والطهر عقبة في طريق الدراسات التاريخية} كما يتدخل الطابع الشخصي للمؤرخ ويظهر ذلك في طريقة فهمه لتاريخ وأسلوب عرضه ومن أمثلة ذلك أن علماء الدراسات التاريخية في القرن الـ19 في بريطانيا كانت متأثرا بالنزعة الرأسمالية ومع ظهور الماركسية ظهر ما يسمى التعبير المادي للتاريخ ومن العوائق التي تقف أمام الدراسات التاريخية (غياب الملاحظة) لأن الحادثة التاريخية فريدة من نوعها تحدث مرة واحدة ولا تتكرر وهذا ما عبّر عنه "عبد الرحمن الصغير" قائلا {النظرية العلمية تشترط ملاحظة الوقائع من أجل اكتشاف القوانين فالحادث البيولوجي يمكن ملاحظته أما الحادث التاريخي فلا يمكن بلوغه} وفي التاريخ لا وجود للسببية والحتمية كل هذه العوائق تقف في وجه ارتقاء التاريخ إلى مرتبة الدراسات العلمية.
نقد: هذه الأطروحة تتجاهل أن التاريخ له منهجه الخاص به الذي يتوافق مع طبيعة حوادثه.
الرأي الثاني(نقيض الأطروحة):
ترى هذه الأطروحة أن الحوادث التاريخية تصلح أن تكون موضوع معرفة علمية موضوعية وأن المنهج التاريخي هو المنهج الاستقرائي الواقعي منهج تتوفر فيه خصائص الروح العلمية وكذا الملاحظة والفرضية والتجربة وهذا ما أكّد عليه "محمود قاسم" في كتابه [المنطق الحديث ومناهج البحث] قائلا {لقد ضاقت المسافة التي كانت تفصل التاريخ عن العلوم التجريبية فقد طبق المؤرخون أساليب التفكير الاستقرائي على بحوثهم} والمنهج التاريخي يعتمد على خطوات أساسية وهي أربعة [جمع المصادر والوثائق] سواء المقصودة بالتاريخ أو غير المقصودة وهي ضرورية قال عنها "سنيويوس" {لا وجود لتاريخ دون وثائق وكل عصر ضاعت وثائقه يضل مجهولا إلى الأبد} وبعد جمعها تأتي مرحلة[التحليل والنقد] وهنا يستعين علماء التاريخ بـالتحليل الكيميائي ومثل ذلك استعمال كربون 14 للتأكد من العمر الزمني وكذا النقد الداخلي للوثيقة الذي ينصب على المضمون وشرط النقد الموضوعية قال "ابن خلدون" {النفس إذا كانت على حالة من الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر} وتـأتي مرحلة [تركيب الظواهر التاريخية] يرتب المؤرخ الحوادث ترتيبا زمنيا ومنطقيا وقد يجد فجوات فيلجأ إلى الفرضية وبعدها يصل إلى مرحلة تغيير التاريخ وقد يستعين بتجربة المقارنة كما فعل "مارك بلوخ" في دراسته التاريخية على الإقطاع حث قارن بين [ألمانيا, فرنسا, ايطاليا, انجلترا] ووجد أن الإقطاع ارتبط ظهوره بالزراعة واختفى في عصر الصناعة, إن التاريخ علم.
نقد:
لا شك أن التاريخ أصبح علما لكن ظواهره لا تتماثل مع الظواهر الطبيعية.
التركيب:
الحديث عن الفكر التاريخي يدفعنا إلى ضرورة التمييز بين اتجاهين [الاتجاه المالي] وما ينطوي عليه من نظرة فردية ذاتية و[الاتجاه الوضعي] الذي اعتبر الحقائق التاريخية موضوعية يمكن تعميمها, ومن هذا المنطلق لا يمكن ربط التاريخ بـالتأمل الفلسفي وحده ولا اعتبار حوادثه مماثلة للظواهر الطبيعية بل هي حوادث لها منهجها الخاص, منهج جمع بين التأمل والنقد وبين الاستنتاج والاستقراء وكما قال "ابن خلدون" في [المقدمة] {التاريخ في باطنه نظرة وتحقيق وتحليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفياتها الوقائع وأسبابها عميقة وهو لذلك أصل الحكمة العريق} كما أن الشواهد الواقعية تؤكد أن علم التاريخ قد قطع أشواطا كبيرة في مسيرته التي لا تنتهي وكما قال المؤرخ " يوري" {التاريخ أصح علما لا أكثر ولا أقل}.
خاتمة:
وفي الأخير يمكن القول أن الحادثة التاريخية حادثة إنسانية ذاتية فريدة م نوعها تختلف عن الظواهر الفيزيائية كونها غير قابلة للملاحظة والتجريب ومن ثم صعوبة الوصول إلى قوانين تحكم الحوادث التاريخية هذه الصعوبة تطرقنا إليها من خلال الموقف المعارض لقيام التاريخ وكذا الموقف المعاكس الذي دافع عن علمية التاريخ انطلاقا من منهجية قوامها [جمع المصادر والوثائق والتحليل والنقد والتركيب والتعبير التاريخي] ومن كل ذلك نستنتج: نعم يمكن أن تكون الحوادث التاريخية موضوعا لدراسة علمية شرط مراعاة خصائص الحادثة التاريخية
المنهج التجريبي في علوم المادة:
مقدمة: تنطلق حركة البحث العلمي مهما كان نوعها من إشكالات محيرة تدفع العالم إلى الدراسة الميدانية و البحث يرتبط بالكشف عن بعض الحقائق التي تتحول إلى نظرية علمية إذا تم البرهنة عليها و إجمالا نستطيع أن نميز بين الملاحظات و التجارب و بينهما قد تظهر الفرضية هذه الأخيرة منهم من دافع عنها و تمسك بها و منهم من رفضها فإذا علمنا أن الفرضية تعتمد على الخيال و العلم يشترط الواقعية فالمشكلة المطروحة :
* هل يمكن الاستغناء عن الفرضية ؟
التوسع:
الرأي الأول:
انطلق أنصار الرأي الأول من فكرة أساسية يمكن تلخيصها في عبارة موجزة (يمكن الاستغناء عن الفرضية) و معنى ذلك أن البحث العلمي يعتمد على الملاحظات و إجراء التجارب فقط و أن جوهر العلم هو الاستقراء بدل الاستنتاج ، شاع هذا الطرح و انتشر مع أنصار المذهب التجريبي و منهم (جون استوارت مل، توماس،هوبس و جون لوك) و حجتهم في ذلك أن : الفرضية تعتمد على عنصر الخيال و الخيال من حيث هو ملكية عقلية يبعدنا عن الواقع بينما تشترط المعرفة العلمية الاقتراب من الواقع و يقترح ج.س.م.البديل عن الفرضية و هو ما يسمى بقواعد الاستقراء أهمها قاعدة الإنفاق و الاختلاف حيث يعتمد الباحث على إجراء مقارنة بين الظاهرة قبل التجربة و بعدها و لا شك أن الملاحظة الحسية ستقوده إلى تسجيل بعض النقاط الهامة التي يسترشد بها في عملية البحث و الحقيقة أن بعض الفلاسفة و العلماء في القديم اعتبروا أن نقطة العلم هي الاستقراء و منهم الباحث المسلم ابن الهيثم حيث قال: نبتدأ في البحث باستقراء الموجودات و تصفح أحوال المبصرات و نلتقط في حال الإبصار ما هو ثابت .
النقد:
الاعتماد على الاستقراء وحده لا يكفي لأن الظواهر العلمية معقدة و تحتاج إلى العقل.
الرأي الثاني: العقليون:
ذهب أنصار الرأي الثاني إلى الدفاع عن الفرضية و عندهم أم أهم خطوة في المنهج التجريبي هي الفرضية و عندهم أن أهم خطوة في المنهج التجريبي هي الفرضية أو ما يسمى الاستنتاج و الفرضية تعتمد على قوة الخيال قال كرجتون إنها نتيجة لخيال و بصيرة واسعة .شاع هذا الطرح و انتشر بين أنصار المذهب العقلي و خاصة كلود برناد الذي ذكر حالة العالم (هوبيز ) الذي كان أعمى و كان يطلب من خادمه تجسيد التجربة التي كان يفكر فيها بخياله . و هنا توصل إلى ملاحظة دقيقة (أن الخادم رغم امتلاكه الحواس لم يصل إلى مرتبة العالم رغم افتقاده حاسة البصر توصل إلى الكثير من الحقائق العلمية بفضل قوة خياله). و من نفس السياق قال عبد الرحمان مرحبا على دور الخيال (ألا انه خزف أو جزف ذلك الذي يستيقظ في القطار و يسجل ملاحظاته حول الحجرة الموجود فيها دون أن يسأل نفسه عن الوجهة التي وصل إليها أو سيصل إليها ).
و من حججهم أن أكثر المشاكل العلمية مربكة و محيرة و هي غاية التعقيد خاصة بحوث الذرة (الميكروفيزياء) (الظواهر اللامتناهية في الصفر) تلك الظواهر لا سبيل لرؤيتها .بالملاحظة الحسية بل يتم إدراكها بالخيال العقلي فقط و هذا ما ساعد هايزنبرج على وضع فكرة تؤكد استحالة قياس موقع ( é ) و سرعته في نفس الوقت و ملخص هذا الرأي أن الفرضية هي مصدر الإبداع العلمي و هي خطة ضرورية في المنهج التجريبي.
النقد:
لا أحد ينكر الفرضية لكن هذا لا يقلل من شأن الاستقراء و استعمال الملاحظات الحسية .
التركيب:
لا يمكن حصر المنهجية العلمية في إجراء التجارب و القيام بالملاحظات لأن المجال العلمي واسع و ظواهره متنوعة و كثيرة و بمقدار ما يكشف العلم عن قضايا محيرة تظهر إلى الوجود قضايا أكثر تعقيدا لقد أصبح من المؤكد اليوم أن الباحث الحقيقي لا يقتصر جهده على تسجيل الملاحظات الحسية بمقدار ما ينبغي علية استنطاق الطبيعة و هذا ما قصده كلود برنار بقوله الملاحظ يصفي إلى الطبيعة و الجرب يسألها و يرغمها على الجواب. و هكذا فالعناصر الأساسية التي ينبغي أن تتوفر في شخصية الباحث القدرة على الإقصاء و القدرة على التساؤل قال قاستوب بشلار إذا لم يكن هناك سؤال فلا مجال للحديث عن المعرفة العلمية .
الخاتمة:
و في الأخير يمكن القول أن الجدل حول الفرضية هو جدل حول حقيقة العلم و في مقالنا هذا تضاربت الآراء بين أنصار الموقف العقلي و الموقف التجريبي فإذا كانت الأطروحة الأولى قد دافعت عن الفرضية من منطلق دفاعها عن الاستنتاج فإن الأطروحة 2 قد هاجمتها و من خلال الموازنة الفلسفية التي قمنا بها نستنتج أن: لا يمكن الاستغناء عن الفرضية في بناء العلم.